مقالة خاصة: هل بناء الطريق السريع في الجبل الأسود "فخ ديون" أم طريق للنجاح؟

للكود أسفل المقال 👇 

بودغوريتشا 4 أكتوبر 2018(شينخوا) عندما تم الإعلان عن أن بناء أول طريق سريع في الجبل الأسود، سيكون قرب مسكنه، شعر فوكاسين بتروفيتش، وهو قروي في جيلين داب، على بعد نحو 14 كم شمالي العاصمة بودغوريتشا، شعر بفرحة غامرة جعلته يقول مازحا إنه سيقفز فوق هذا الجسر المقرر بناؤه.

لقد كان حلم السفر الآمن والمريح بعيدا جدا ليتحقق في هذا الركن الصغير المتخلف تنمويا نسبيا في البلقان، حتى ظهرت في الأفق دعامات جسر ترتفع لعلو نحو 160 مترا.

هذا الطريق السريع هو جزء من مشروع يمر بين مناطق جبلية وعرة في هذا البلد.

حاليا، دائما ما يجلس بتروفيتش(69 عاما) على كرسي خشبي كبير أمام مسكنه، وهو يطالع التقدم المتحقق في بناء الطريق، ويتعهد مع نفسه، بأنه سيكون من أوائل من يقودون سياراتهم لعبور هذا الطريق السريع.

كانت هناك بعض مشاعر الشك الأولي تجاه هذا الطريق السريع، ولم تقتصر على بتروفيتش وحده، بل أن حكومة الجبل الأسود عندما طرحت فكرة المشروع للمرة الأولى، قوبلت الفكرة بانتقادات داخلية ودولية، على أنها "كلام فارغ" وتسويق سياسي، وفقا لما قاله فاتروسلاف بيلان، المستشار بالحكومة.

وأضاف بيلان "اليوم، نحن تحت نوع مختلف من الضغط من مواطنينا، يدعو لتشييد الطريق السريع بأقرب وقت ممكن."

هذا الطريق السريع الممتد لـ41 كم، والمدعوم بقروض من الصين وخبراتها الهندسية، ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق، هو المرحلة الأولى من طريق سريع طوله 180 كم، يربط ميناء بار على المحيط الأدرياتيكي بصربيا الخالية من منفذ مائي. وهو المشروع الأكبر للبنية التحتية في الجبل الأسود، هذا البلد الذي رغم ما يعانيه من تحديات، ولكنه يطمح لجذب المزيد من السياح.

هل هناك مخاطرة مالية؟

رغم شعبيته وأهميته في الجبل الأسود، فقد جذب هذا الطريق السريع انتقادات من بعض الإعلام الغربي الذي وصف المشروع بـ"فخ ديون"، زاعما أن هذا المشروع المدعوم من الصين، سيسبب إفلاس هذا البلد البلقاني.

قال تقرير لـ((رويترز)) إن القرض من الصين لهذا الطريق السريع، "قد دفع قروض الجبل الأسود عاليا".

وجاء في تقرير لمركز ((التنمية العالمية))، مقره في واشنطن، "أن مشكلة الديون في الجبل الأسود كبيرة"، مقتطفا من دراسة نشرت في فبراير 2017، من قبل البنك الدولي، مُقدّرة أن الدَين العام للجبل الأسود "في إجمالي الناتج المحلي، سيرتفع إلى 83% عام 2018، في ظل غياب أي تعديل مالي."

ورغم ذلك، أظهرت تحقيقات ومقابلات أجرتها ((شينخوا))، أن الأمر ليس كذلك.

فيما يتعلق بالقروض الصينية، فهي ذات فائدة 2%، وعلى مدى فترة إعادة تمتد لعشرين عاما، وفترة سماح بست سنوات، وتعتبر مناسبة وميسرة جدا وفقا للمعايير الدولية.

في الحقيقة، كانت ديون الحكومة المركزية في الجبل الأسود في منتصف عام 2018، 70.1% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وفقا لتقرير من وزارة مالية البلاد.

وحتى نسبة الـ83% المذكورة أعلاه، ما تزال ضمن المعدلات الأوروبية.

قال مكتب ((يوروستات))، وهو المعني بالإحصاءات بالاتحاد الأوروبي، إن الدَين الحكومي، خلال الربع الأول من 2018، قد بلغ 86.8% من إجمالي الناتج المحلي في 19 عضوا بمنطقة اليورو، و81.5% في 29 عضوا في الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا الإطار، قال فيسيلين فوكوتيتش، وهو اقتصادي بارز في الجبل الأسود، وعميد جامعة ((دونيا قوريتشا)) الخاصة، "إن ربط صحة الاقتصاد بمؤشر كمي فقط، هو الدَين العام نسبة لإجمالي الناتج المحلي، يعتبر طريقة بيروقراطية بحتة."

وأضاف أنه من المهم النظر إلى "الطريقة التي يتم استثمار الأموال المقترضة فيها"، وفيما يتعلق بالجبل الأسود، فالأموال المقترضة تنفق بصورة جيدة في مشاريع بنية تحتية طويلة الأمد.


نعمة اقتصادية


إن إنشاء هذا الطريق السريع قد أعطى فعلا دفعة حيوية لهذا البلد الصغير، حيث قال صندوق النقد الدولي "إنه بعد توسعه بنسبة 2.9% في عام 2016، نما الاقتصاد (في الجبل الأسود) بـ4.4% عام 2017، مدفوعا ببناء الطريق السريع، وموسم سياحي قوي."


ووفقا للصندوق "فإن النمو الاقتصادي القوي سيتواصل عام 2018، على الرغم من التعديل المالي.... ومع بقاء الإنفاق على الطريق السريع عند مستويات عام 2017، وستسهم الاستثمارات الخاصة، وليس العامة، ومعها الاستهلاك في دفع النمو."


أما البنك الدولي، فقد قال في تقريره حول الآفاق الاقتصادية للجبل الأسود إنه "في الوقت الذي ستنخفض فيه زيادة الاستثمارات، مع قرب اكتمال بناء الطريق السريع، ستبقى مساهمات الطريق في النمو قوية عام 2018."


وبالنسبة لشركة ((بيماكس))، وهي شركة بارزة في الإنشاءات في الجبل الأسود، كانت المشاركة في تشييد الطريق السريع، مربحة وتجسدت في عوائد لها بلغت نحو 200 مليون يورو (نحو 232.2 مليون دولار أمريكي). ومن خلال عمليات البناء، تشغل الشركة حاليا نحو 700 شخص، 600 منهم محليون، وفقا لما أكده مديرها التنفيذي فيسيلين كوفاسيفيتش، في حديث مع ((شينخوا)).


قال بيسيروفتش برانيسلاف، وهو رجل في الـ39 من عمره، يعمل في مشروع تشييد الطريق السريع، إن هذا العمل يمنحه عائدا أفضل كثيرا من أي عمل مضى.


وحتى أبناء الجبل الأسود الذين لا يشاركون بصورة مباشرة في تشييد هذا الطريق، فإنهم يتطلعون بلهفة لإكماله.


قال فيديتش بوغيتش، وهو قروي بمنطقة فيلاتش، شمالي العاصمة بودغوريتشا، إن العاملين الصينيين قد حققوا فعلا إثرا إيجابيا في مجتمع المنطقة، ولاسيما أن إمدادات المياه والكهرباء، التي لم تكن متوفرة، قد توفرت بمنطقته لدعم المنطقة وأعمال المشروع.


وأضاف في حديث مع ((شينخوا)) "علينا أن نضع في تفكيرنا أن التغيير الإيجابي قادم، ونأمل أنه مع اكتمال البناء، سيسهم ذلك بتحسين حياة الناس هنا، ولا يعودوا يفكرون بمغادرة المنطقة."


صورة أكبر


تعتقد الحكومة في الجبل الأسود أنه من خلال بناء هذا الطريق السريع، فإنها تجسر الفجوة بين مناطقها الشمالية والجنوبية، إضافة إلى تسهيل ربط البلاد مع أوروبا.


وبسبب الطبيعة الجبلية للمناطق الشمالية وبُعدها عن سواحلها الجميلة، يعتبر غياب الطرق المناسبة عائقا يكبح إنعاش السياحة، التي يقال إنها من أبرز إمكانيات البلاد، بجانب الزراعة والصناعات الأخرى.


ورغم أن هذا الطريق السريع يحسن ترابط الجبل الأسود مع أوروبا؛ شمالا عبر صربيا مرورا لوسط أوروبا، وجنوبا عبر البحر الأدرياتيكي مرورا للبحر الأبيض المتوسط، ولكن هناك العديد من الاتهامات الغربية بأن الصين لديها أجندة سرية في أوروبا.


وتظهر كلمات مثل "بوابة خلفية" أو "حصان طروادة" في البلقان، في الإعلام الأوروبي، حتى أن هناك تقريرا لـ((رويترز)) زعم أن الجبل الأسود قد تعطي بكين "ميناء دخول إلى أوروبا عبر الأدرياتيكي".


وحول هذه المزاعم، قال فوكوتيش، عميد جامعة ((دونيا قوريتشا)) الخاصة، "إن مخاوف أوروبا المتمثلة بأن الصين ستأخذ الجبل الأسود، أو شرقي أوروبا، هي مخاوف قائمة على جهل تام للتاريخ."


أما ليو تشو كوي، مدير قسم دراسات وسط وشرقي أوروبا، في معهد الدراسات الأوروبية التابع لأكاديمية العلوم الصينية، فقال إن هذا الخوف غير مبرر ومبالغ فيه، خاصة وأن الجبل الأسود هي عضو فعلا في معاهدة حلف شمال الأطلسي(ناتو) وقد تنضم للاتحاد الأوروبي بحلول عام 20 25، والصين بعيدة عنها بـ7000 كم.

وأضاف "في الحقيقة، إن مشاركة الصين حاليا تجعل الجبل الأسود أكثر وأوثق ارتباطا بأوروبا."


ومن منظور آخر، أوضح ليو، أن هذا الطريق السريع ينبغي أن يكون محل ترحيب لأن المنطقة ستستفيد من تمويلات الصين وخبراتها الإنشائية، وهذا يعني حفظ الموارد الأوروبية في البلقان، التي تعتبر تقليديا ابن العم الفقير لغربي أوروبا.


وبالنسبة للجبل الأسود، فهذا الطريق السريع يمثل أملها في "بناء الطريق الذي ظل في أجندتها السياسية منذ فترة طويلة" حسب قول المستشار الحكومي بيلان، الذي أضاف "أنه الطريق إلى أوروبا وإلى مجتمع الدول الأكثر تطورا."

الكود هنا 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة